
العقار ونزيف القيمة ..من يدفع الثمن؟
العقار فى مصر هو الوعاء الادخارى الأهم لدى شريحة واسعة من المجتمع، يُنظر إليه كمنتج استثمارى آمن يحافظ على القيمة ويقاوم التضخم، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية وتقلبات سعر العملة.. ورغم ما يمر به السوق العقارى من تباطؤ أو ركود فى بعض الفترات، يظل العقار يحمل هذه السمعة الاستثمارية فى الذهن الجمعى ،لكن فى السنوات الأخيرة، ظهرت سلوكيات تسويقية وسعريّة خاطئة من بعض المطورين العقاريين، قد تُهدد هذه القناعة المجتمعية وتُحدث خللاً جوهرياً فى طبيعة السوق.
والبداية كانت من التحوط المبالغ فيه مقابل التقلبات الاقتصاديةخلال العامين الماضيين، وما ترتب عليه من زيادات سعرية مضطردة ظنا من المطور ان ذلك سيؤمن اضطرابات تكاليف البناء، الامر الذى ادى بالضرورة إلى دخول عدد كبير من المضاربين الساعين لمكاسب سريعة لا تتناسب مع طبيعة الاستثمار فى العقار، وقد تسببت هذه السلوكيات إلى مزيد من الزيادات السعرية المبالغ فيها والغير مدروسة.
ولم تكن المشكلة دائما فى الازمات ولكن فى كيفية التعامل مع الازمات، فى فترات الركود، قد يلجأ بعض المطورين إلى خفض الأسعار بشكل مباشر أو تقديم عروض مبالغ فيها بهدف تحريك المبيعات. ورغم أن هذه الخطوة قد تبدو منطقية من منظور تسويقى قصير الأجل، فإنها تتجاهل طبيعة العقار كأصل طويل الأجل ذى طابع استثمارى، وليس سلعة استهلاكية مرنة السعر.
عندما يُعامل العقار كسلعة استهلاكية يمكن التلاعب بسعرها صعوداً وهبوطاً، يُفقده ذلك طبيعته كـ«مخزن للقيمة»، هذه التصرفات ترسل رسائل سلبية للمستثمرين والمشترين المحتملين، فتزعزع ثقتهم فى استقرار السوق وتُشجع على الانتظار بدلاً من الشراء، ما يُعمق الركود أكثر.
ونستطيع ان نصف اثر ذلك على سوق العقار فى المحاور الأتية:
• زعزعة الثقة:
انخفاض الأسعار يدفع من اشتروا العقار بأسعار أعلى سابقًا إلى الشعور بالخسارة، ما يؤدى إلى فقدان الثقة فى السوق.
•تجميد السيولة:
يتردد المستثمرون الجدد فى ضخ أموالهم فى السوق خوفاً من استمرار الانخفاض، وبالتالى يُجمد جزء كبير من السيولة التى كان يمكن ضخها فى الاقتصاد.
•خلل فى سلسلة التوريد العقارى:
انخفاض سعر البيع لا يعنى بالضرورة انخفاض التكلفة، مما يُهدد استدامة الشركات العاملة فى السوق «المطور – المقاول – المورد – العامل».
وربما الحلول كثيرة ولكن ليس منها أبدا خفض الاسعار، ربما تحسين شروط السداد من خلال فترات تقسيط أطول دون فوائد مبالغ فيها مع زيادات سعرية طفيفة ومدروسة تحافظ على العملاء السابقين، وربما إضافة قيمة للمنتج العقارى خدمات إضافية – تسليم فورى – تشطيب عالى الجودة.
وهذا ليس كل شيء، إن الأمر يتطلب حلول مبتكرة وذكية وحساسة للتعامل مع الموقف.
ومن المهم أن يدرك المطورون أن تسعير العقار هو قرار استراتيجى، لا يجب أن يخضع فقط لضغط السوق اللحظى أو المنافسة قصيرة الأجل. الحفاظ على القيمة السوقية للعقار هو مسؤولية جماعية تضمن استقرار السوق واستمرار جاذبيته كمجال استثمارى طويل الأجل.
الخلاصة:
إن كسر قاعدة «العقار لا يخسر» ليس مجرد هاجس نفسى، بل تهديد حقيقى للنموذج الاقتصادى السائد فى المجتمع المصرى، وإن كانت هناك حاجة لتصحيح أو تهدئة السوق، فليكن ذلك من خلال أدوات مدروسة تحافظ على جوهر العقار كأداة ادخارية واستثمارية موثوقة.
