شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزة ملحوظة في الأشهر الأخيرة، مما يعكس ثقة متزايدة في الاقتصاد المصري والسياسات النقدية التي انتهجها البنك المركزي، وتعزز من قوة التدفقات الدولارية للاقتصاد المصري، ما يساهم في دعم الاستقرار المالي وزيادة الاحتياطي النقدي.

وأعلن البنك المركزى عن تصاعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج للشهر السادس على التوالي، كما ارتفعت خلال شهر أغسطس 2024 بنسبة 65.5% لتسجل نحو 2.6 مليار دولار (مقابل نحو 1.6 مليار دولار) خلال شهر أغسطس 2023.. كما شهدت التحويلات خلال الفترة من يوليو إلي أغسطس 2024 ارتفاعاً بمعدل 76.2% مسجلة نحو 5.6 مليار دولار (مقابل نحو 3.2 مليار دولار خلال الفترة المناظرة)، كما سجلت نموا خلال الشهور الثماني الأولى من العام الحالي (الفترة من يناير إلي أغسطس 2024) بمعدل 36.4% لتسجل نحو 18.1 مليار دولار (مقابل نحو 13.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2023.

ويقول د. مصطفى أبو زيد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية إن ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج للشهر الثامن على التوالي ووصولها إلى 18 مليار دولار يعد مؤشرًا إيجابيًا يعكس تزايد الثقة في الجهاز المصرفي المصري من خلال التعامل عبر القنوات الشرعية، مدعومة بمرونة سعر صرف الجنيه أمام الدولار، موضحًا أن هذه الاستدامة في زيادة تحويلات المصريين بالخارج تسهم بشكل كبير في تعزيز التدفقات الدولارية، والتي تعد أحد المصادر الأساسية للاقتصاد المصري، ما ينعكس إيجابًا على ارتفاع حجم الاحتياطي النقدي في البنك المركزي، والذي وصل إلى نحو 46.9 مليار دولار، بما يغطي احتياجات الدولة من الواردات لنحو ثمانية أشهر.

وأضاف أبو زيد أن هذه الزيادة تعزز قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها تجاه فوائد وأقساط الديون الخارجية، بالإضافة إلى توفير احتياجات الدولة من السلع الاستراتيجية، لافتًا إلى أن الحفاظ على استدامة هذا النمو مرتبط بتبني سياسة سعر صرف مرن وفق آليات العرض والطلب، مما يدعم الاستقرار المالي والنقدي للاقتصاد، كما أن تدفق الدولار عبر تحويلات المصريين بالخارج ينعكس على انسيابية العملية الإنتاجية، ويساهم في تعزيز النمو الاقتصادي واستقرار مستويات الأسعار، مؤكدًا أهمية استمرار تدفق هذه التحويلات لدعم الاقتصاد المحلي بشكل مستدام.

وفي نفس السياق يؤكد د. أحمد شوقي الخبير المصرفي وعضو الهيئة الاستشارية لمركز مصر للدراسات الاقتصادية أن ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج يعكس تطورًا ملموسًا في مصادر النقد الأجنبي لمصر، حيث تأتي في المركز الثالث بعد الاستثمار المباشر الذي بلغ 46 مليار دولار، والصادرات التي سجلت 32.5 مليار دولار، موضحًا أن الإجراءات الإصلاحية المطبقة في الفترة الأخيرة أسهمت بشكل كبير في القضاء على السوق الموازية للعملة الأجنبية، مما ساعد على ارتفاع التحويلات خلال شهري يوليو وأغسطس 2024 بنسبة 76.2%، لتصل إلى نحو 5.6 مليار دولار مقارنة بـ3.2 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

وأوضح شوقي أن هذا النمو في حصيلة التحويلات يعزز موقف الموارد الأجنبية للاقتصاد المصري، خاصةً في ظل تراجع إيرادات قناة السويس بسبب التوترات الجيوسياسية في المنطقة، لافتًا إلى أن زيادة التحويلات تسهم في تحسين ميزان المدفوعات وتقليص الفجوة فيه، مشددًا على أن استمرارية هذا الارتفاع تتطلب استمرار مرونة سعر الصرف، وتطبيق رقابة صارمة لمنع عودة السوق غير الرسمية مجددًا.

ومن جانبه يري د. أشرف غراب نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية أن ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفعت خلال أول 8 أشهر من العام الجاري بسبب السياسات النقدية الفعالة التي انتهجها البنك المركزي منذ تحرير سعر الصرف في مارس الماضي، والتي ساعدت على القضاء على السوق الموازية للعملة واستقرار سعر صرف العملة الأجنبية خلال الأشهر الستة الماضية، مما أعاد الثقة للعاملين بالخارج في النظام المصرفي، موضحًا أن زيادة تحويلات العاملين خلال أغسطس إلى نحو 2.6 مليار دولار مقابل 1.6 مليار دولار في نفس الشهر من 2023، بزيادة قدرها 65.5%، يعكس استمرار نمو التحويلات للشهر السادس على التوالي، مؤكدًا أن استقرار النقد الأجنبي ومرونة سعر الصرف بالبنوك وغياب السوق الموازية أدى إلى تعزيز الثقة في الاقتصاد المصري، ما دفع إلى زيادة معدلات التنازل عن الدولار للبنوك، وساهم في تلبية قوائم الانتظار الخاصة بالعملة الأجنبية للمستوردين بفضل توفر النقد الأجنبي بكميات كافية، كما أن ارتفاع التحويلات يعكس أيضًا استفادة المصريين من سعر الفائدة المرتفع بالبنوك، إلى جانب مبادرة طرح الأراضي والعقارات للمصريين بالخارج بالعملة الأجنبية.

وأكد غراب أن تحويلات المصريين بالخارج من أهم المصادر للعملة الصعبة حيث تجاوزت 30 مليار دولار قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، وتساعد هذه التحويلات في تعويض تراجع إيرادات قناة السويس نتيجة التوترات الجيوسياسية وتأثيراتها في البحر الأحمر، وتساهم في تعزيز الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتقليص العجز التجاري، مشيرًا إلى أهمية تحويلات المصريين في استقرار سعر صرف الجنيه وزيادة حجم المعروض من النقد الأجنبي، متوقعًا استمرار نموها خلال الشهور المقبلة، موضحًا أن الأشهر الماضية شهدت زيادة في التحويلات المالية من المصريين بالخارج والمؤسسات المالية والمستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار في سندات وأذون الخزانة، مما عزز الاحتياطي النقدي واستقرار سعر الصرف، لافتًا إلى أن تسهيل التحويلات عبر تطبيق "إنستا باي" في بعض الدول المحيطة يساهم في زيادة تحويلات المصريين بالخارج.