
ارتفع حجم الدين العام فى جميع أنحاء العالم خلال العقود الماضية بوتيرة غير مسبوقة، وأدت الأزمات المتتالية فى السنوات الأخيرة إلى تسارع حاد فى هذا الاتجاه. ونتيجة لذلك، تضاعف الدين العام العالمى بأكثر من خمسة أمثال منذ عام 2000 وحتى اليوم. وفى محاولة الولايات المتحدة ومختلف الاقتصادات (خاصة الكبرى) لكبح التضخم غير المسبوق منذ عقود، اتخذت البنوك المركزية قرارات التشديد النقدى، فكان الرفع المتوالى فى أسعار الفائدة على الدولار الأمريكى ومن ورائه عدد من العملات الرئيسة، عاملًا مؤثرًا فى تغذية التضخم المتسرب من تلك الدول إلى الدول المستوردة والمدينة. علمًا بأن الدولار الأمريكى (الأقوى نسبيا بفعل ارتفاع أسعار الفائدة) يتحكم فى 80% من حجم التجارة الدولية، ونسبة غالبة من عملة الديون الخارجية.
وجدير بالذكر أن الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 قد شهدت قيام 19 دولة بتخفيض متتالٍ فى قيم عملاتها الوطنية أمام الدولار. كيف يمكن إذن إنقاذ الدول المدينة وخاصة النامية من الغرق فى أزمات عميقة للديون؟ علما بأن تلك الدول تكافح النقص الحاد فى مواردها، وتقدم خدمات الدين على أية نفقات ضرورية لغذاء وصحة وسائر خدمات السكان، وليس أدل على ذلك من سريلانكا التى اختارت ألا تتأخر يومًا واحدًا عن سداد خدمات ديونها، حتى ولو كان ذلك على حساب تردّى أوضاع السكان بصورة مقلقة.
الجميع يدرك مخاطر التخلّف عن السداد أو تصنيف الدولة على أنها متعثرة. هذا التصنيف من شأنه أن يرفع حجم المخاطر الائتمانية للدولة بصورة مخيفة، ويجعل الديون الجديدة (التى لا غنى عنها ولو فى الأجل القصير) مكلفة للغاية وغالبًا غير ممكنة. إن ما يقرب من 30% من الدين العام العالمى مستحق على الدول النامية، وتدفع الدول النامية مقابل ديونها أكثر بكثير مما تدفعه الدول المتقدمة (وفقًا لمنظمة أونكتاد). عندما تقترض الدول النامية الأموال، يتعين عليها أن تدفع أسعار فائدة أعلى بكثير مقارنة بالدول المتقدمة، حتى دون النظر فى تكاليف تقلبات أسعار الصرف.
وتقترض الدول فى إفريقيا فى المتوسط بمعدلات فائدة أعلى بأربع مرات من نظيراتها فى الولايات المتحدة، بل وأعلى بثمانى مرات من نظيراتها فى ألمانيا. إن ارتفاع تكاليف الاقتراض يجعل من الصعب على الدول النامية تمويل استثمارات مهمة، الأمر الذى يؤدى بدوره إلى زيادة تقويض القدرة على تحمّل الديون والتقدم نحو التنمية المستدامة. تنفق عدة دول على خدمة الديون أكثر مما تنفقه على خدمة شعوبها، ففى أفريقيا، يزيد إجمالى مدفوعات الفائدة على حجم الإنفاق على التعليم أو الصحة. وتخصص الدول النامية فى آسيا وأوقيانوسيا (باستثناء الصين) أموالًا لمدفوعات الفائدة أكبر من تلك المخصصة للصحة. وعلى نحو مماثل، فى أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى، تخصص الدول النامية قدرًا أكبر من الأموال لمدفوعات الفائدة بدلًا من الاستثمار.
وفى جميع أنحاء العالم، تمنع أعباء الديون المتزايدة الدول من الاستثمار فى التنمية المستدامة. فى الوقت الحالى، ينفق ما لا يقل عن 19 بلدا ناميا على الفوائد أكثر مما ينفق على التعليم، وينفق 45 بلدا على الفوائد أكثر مما ينفق على الصحة. فى المجموع، هناك 48 دولة تؤوى 3,3 مليار شخص، تتأثر حياتهم بشكل مباشر بسبب نقص الاستثمار فى التعليم أو الصحة بسبب أعباء دفع الفوائد الكبيرة.
فى الاقتصادات المتقدمة، بلغ الدين العام مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، رغم بعض الانخفاضات المسجلة مؤخرًا. وفى الأسواق الصاعدة، تراكمت الديون إلى مستويات لم نشهدها منذ أزمة الدين فى ثمانينيات القرن الماضى. وهناك 40% من الدول منخفضة الدخل –أى 24 من مجموع 60 بلدا– بلغت مرحلة المديونية الحرجة أو أصبحت قاب قوسين من الوصول إليها، وهى المرحلة التى يعجز فيها البلد المقترض عن سداد خدمة الدين العام، مما يمكن أن يُحْدِث اضطرابا كبيرا فى النشاط الاقتصادى والتوظيف (كما يفيد تقرير لصندوق النقد الدولي).
إقرأ أيضًا
هيثم الغيص.. يكتب: ماذا تعنى عبارة «طاقة خضراء»؟
السيادة تبدأ من التنمية.. مشروعات مصر العملاقة تغير قواعد اللعبة بالمنطقة
كيف يؤثر أسلوب المدير الانتقامى على فريق العمل؟
الاكثر قراءة
الموصى به
-
تأسيس شركة جديدة لإنتاج و...
- تم النشر بواسطة ahmed
- March 9, 2025
-
2.1 مليار يورو حجم التباد...
- تم النشر بواسطة ahmed
- March 14, 2025
-
وزير الصحة يبحث مع وفد إح...
- تم النشر بواسطة ahmed
- January 29, 2025